دور الجهات الأمنية في تعزيز الأمان المجتمعي (أ. نهلة الورفلي)
أن مهمة الأمن المجتمعي لا تقع فقط على عاتق الأجهزة الأمنية، وإن كان لها الدور الكبير في ذلك، بل هي مسؤولية النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الذي يعمل على احترام مقومات هذا الأمن .
غير أن الجهات الأمنية يقع عليها العبء الأكبر خاصة في الظروف التي تمر بها دولتنا في الوقت الحالي ، نتيجة للحروب و ما ترتب عليها من انتشار للسلاح ، و زيادة نسبة الجريمة و تباينها بين سرقة وسطو مسلح و خطف و ابتزاز ، و انتشار المخدرات و المسكرات و التي باتت أوكارها ظاهرة للعامة ، تباع و تروج في العلن ولمختلف فئات المجتمع ، ولم تعد مقتصرة على ذكورها كما كان في السابق ، بل انتشرت و طالت الإناث ايضاً ، الأمر الذي اثقل كاهل الجهات الأمنية و أصبح عليها العبء الأكبر في حفظ الأمان المجتمعي ، وذلك بسبب غياب الأمن العام الذي بغيابة لا يكون هناك أمن اجتماعي ولا اقتصادي و لا صحي ، فكيف لأفراد المجتمع أن ينعموا بحياتهم في ظل غياب الأمن ، وانتشار السلاح و الجريمة .
هذا وقد اتخذت الجهات الأمنية في الفترات الأخيرة خطوات رشيدة لتعزيز الامان المجتمعي ، داخل المجتمع منها على سبيل المثال لا الحصر تفعيل وحدة حماية الأسرة و الطفل ، والذي كان له دور كبير في حلحلة العديد من القضايا التي هزت أمن الأسرة بشكل عام و الطفل بشكل خاص.
كذلك دورها المسبوق في مكافحة أوكار الجريمة ( أكشاك بيع المواد المخدرة و المُسكرة ) و فرض سيطرتها الأمنية لمجابهة كل ما من شأنه تهديد أمن المجتمع ، في محاولة جادة للحد من ظاهرة التعاطي التي تفشت في المجتمع .
رابعاً : تأثير الأمان المجتمعي على المجتمع :
هيبة الدولة و بسطها لسيادتها ، و فرضها لقانونها ، و عدل قضاءها ، و تجفيفها لمنابع الجرائم والإرهاب ، و دعم اقتصادها ، ينتج عنه مجتمع أمن ، تقل فيه النزاعات و الجرائم لا نقول تختفي فنحن لسنا في مدينة فاضلة ، فالجرائم و النزاعات و المشاحنات ، موجودة منذ بد الخليقة ، ولكن إذا ما استتب الأمن و الأمان في الدولة كان هناك أمن مجتمعي ، ومجتمع أمن يجد فيه الجميع الراحة والاستقرار .
تحقق الأمان المجتمعي ، يعني تحقق الازدهار و التقدم و الرخاء في المجتمعي ، الأمن المجتمعي لا يتحقق في ناحية واحدة من نواحي حياة الأفراد ، كالتعليم بل يجب تكامل جميع النواحي من تعليم وصحة وعمل وزواج وعدالة ورفاهية ونمو وازدهار دائم يلمسه مما يجعل الرعاية أيضا تتحقق، أي أن الأمن المجتمعي له علاقة تكاملية مع الرعاية الاجتماعية .
كذلك الخطط التنموية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها سواء عن طريق القطاع العام أو الخاص ترصد الجانب المعيشي وتسعى إلى زيادة معدلات الدخل ، والأخذ بيد الفئات الأقل حظاً؛ لتنال نصيبها من الرعاية .
و إذا ما قامت الدور الاجتماعية و التعليمية ، بدورها على أكمل وجه في التنشئة و التأهيل ، و إعداد النشء اجتماعياً ونفسياً ومعرفياً ليكونوا مواطنين صالحين، داعمين لمجتمعهم مكونين معول بناء لا هدم ، تستقيم بهم الدولة .
هذا الدور الأساسي للدولة في تحقيق الأمن المجتمعي و التصدي للآفات التي تهدده لابد وأن يحظى بمساندة مؤسسات المجتمع المدني الدينية منها والخيرية والشبابية والتطوعية ، ومنها يبرز دور المسجد في تهذيب الأخلاق والحث على المكارم ، والتحذير من الفتن؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصوم جُنة ، والذكر غذاء الروح ، ومبعث الطمأنينة ، وهنا يأتي دور الوعاظ في التوجيه والإرشاد وتعريف الناس بالأحكام والحلال والحرام .
كما تشكل النوادي والجمعيات الخيرية داعماً رئيساً في مكافحة الآفات الاجتماعية عن طريق توجيه طاقات الشباب إلى العمل النافع والابتعاد عن رفاق السوء من خلال الانخراط في النشاطات الهادفة والأعمال التطوعية التي تعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع والفائدة .
استتباب الأمن يساهم في الانصهار الاجتماعي الذى يساهم في إرساء قواعد المساواة في الحقوق والواجبات. مع الإبقاء على الخصوصيات الثقافية الي تجسد مبدأ التنوع في إطار الوحدة، وفى هذا صون للحرية واحترام لحق الإنسان في الاعتقاد والعبادة بما لا يؤثر على حقوق الآخرين ، ولا ينافي قواعد الدين ، فجاءت الشريعة الإسلامية لحفظ الضرورات الخمس: ( العقل – النفس – الدين – العرض – المال ) ، وأكدت على أن صلاح الدنيا لا يكون إلا بالأمن و سلامة الأفراد.
خامساً : أراء الناس حول الأمان المجتمعي :
سبق وأن أشرنا إلى مفهوم الأمان المجتمعي ، و أوضحنا بأنه مصطلح مركب فضفاض ، قد يتغير بتغير المعطيات ، و باستطلاعنا لآراء الناس حول الأمان المجتمعي تبين لنا تباين و جهات النظر و تقاربها في بعض الأحيان فكلاً ينظر للأمان المجتمعي من زاويته الخاصة والتي تختلف من شخص لأخر .
فالبعض يرى ، الأمان المجتمعي مطلب حيوي لحياة سعيدة و هو خلاصة أمن متنوع يشمل الأمن السياسي و الغذائي و الصحي و البيئي و العلمي و لا يتحقق إلا من خلال التثقيف الاجتماعي و التعايش بسلام ليتمكن المجتمع من البناء و التعمير .
ويرى البعض الأخر ، بأن الأمان المجتمعي يبدأ مع الإنسان من الطفولة و يجده الطفل في أحضان والديه ، و كلما كانت بداية حياة الإنسان سوية و في ظل أسرة توفر له كل احتياجاته ،من العطف و الحنان و الترابط الأسري، و التربية على أساس سوي ، تكون لدى هذا الطفل الأمان المجتمعي ، والذي سيساعده في حياته العامة و الخاصة في كل مراحله العمرية حيث أن أساس الأمان المجتمعي الأسرة السوية التي تكون نواة المجتمعي .
ومن زاوية أخرى ، يرى البعض أن الأمان المجتمعي يتجسد في أمن الدولة ، و فكلما كانت الدولة مستقلة ذات سيادة ، تعلو فيه سيادة القانون ، مستقرة و أمنه تحقق أمن أفرادها ، مما يساعد على تقدم المجتمع و ازدهاره .
و يراها البعض الأخر ، في أمن الفئات المستضعفة فكلما وفرت السلطات و الجهات المختصة الأمن للمرأة و الطفل ، كان المجتمع أمن .
هذا ويراها بعض الشباب ، في تحقق الأمن الاقتصادي ، فمتى تحقق استطاع الإنسان أن يأمن في حياته ، و يحقق الاستقرار الذي ينعكس بالتالي على أمن الأسرة ، فالأسرة الأمنة اقتصادياً هي أمنه اجتماعياً.
هذا و يتحقق الأمان المجتمعي ، عندما تفرض القوات الأمنية سلطتها ، و ينخفض معدل الجريمة في الدولة ، نستطيع حينها الحديث عن الأمان المجتمعي ، الذي يتمثل في أمن النفس و المال .
أسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه وسوء وأن يديم علينا بالأمن والأمان وأن يخذل كل من يحاول العبث بهذا النمط الجميل الذي تربينا عليه وكان سببًا في استقامة حياتنا جيلاً بعد جيل، ونسأل الله أن يحفظ أبناءنا وبناتنا وينفع بهم البلاد والعباد، ويكتب لهم الخير في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين .