حول المنظّمات الأجنبية والدولية في ليبيا

لم تساهم الثورة الليبية مطلع عام 2011 في انتشار منظمات المجتمع المدني الليبية فقط، بل أيضًا في استقطاب وانتشار المنظمات الأجنبية والدولية، بعدما كان تواجدها منعدم قبل عام 2011، حيث وصل عددها خلال المدة من عام 2011 وإلى نهاية أكتوبر 2019 إلى ما يزيد عن 80 منظمة أجنبية ودولية، بمختلف نشاطاتها وجنسياتها، وينشط منها حاليًا من داخل وخارج البلاد، ما يزيد عن 67 منظمة، متمثلة في 14 جنسية، منها عدد 44 منظمة جنسياتها أوربية، وعدد 11 منظمة امريكية، وأربعة عربية، وواحدة كندية، وسبعة منظمات تابعة للأمم المتحدة، وبذلك حلّت المنظمات الأوربية على رأس كل المنظّمات الأجنبية والدولية بنسبة وصلت إلى حوالي (66%) من عدد المنظّمات الكلّي، تلتها الجنسية الأمريكية بنسبة (16%). يعتبر عام 2012، أكثر الأعوام التي شهدت تواجد للمنظمات الأجنبية والدولية بعدد 38 منظمة، في حين شهد عام 2015 تسجيل منظمة واحدة فقط، وهذا التراجع الكبير يرجع لتردي الأوضاع الأمنية في البلاد خلال المدة (2015-2014)، حيث غادرت أغلب تلك المنظّمات لتنشط من الجمهورية التونسية، وآثرت العمل والنّشاط من خارج البلاد، مما تسبب في ارتفاع ميزانية الخدمات الإدارية بسبب اضطرار موظفين تلك المنظّمات للإقامة في الخارج بالإضافة إلى ارتفاع مصاريف نقل وإقامة النشطاء الليبيين المستهدفين من تلك البرامج والأنشطة، زد على ذلك حرمان العديد من نشطاء المجتمع المدني الغير قادرين على السفر لأسباب لوجستية أو اجتماعية من الاستفادة من برامجها. تنوعت اختصاصات وبرامج المنظمات الأجنبية غير الحكومية العاملة في ليبيا حاليًا، من أنشطة دعم انتقال ليبيا إلى اتفاق سياسي شامل، وحكم خاضع للمساءلة، وتحقيق الاستقرار، والإنعاش والتمكين الاقتصادي ودعم ريادة الأعمال إلى دعم منظمات المجتمع المدني وتمكينها، إلى أنشطة الإغاثة الإنسانية والمساعدة الطبيّة ونزع الألغام ومخلّفات الحروب، والاستجابة الشاملة للاحتياجات الإنسانية للمهاجرين والنازحين داخليًا والعائدين، بالإضافة إلى دعم مسار التحوّل الديمقراطي ومراقبة الانتخابات والحوكمة الرشيدة، ودعم وتطوير الحكم المحلي والتنمية والتمكين، ورفع القدرات والبيئة والتأهيل والمسرح والفنون وتطوير الإعلام، ومن الناحية القانونية ليس هناك قيود مفروضة على أنشطة المنظمات الأجنبية والدولية العاملة في ليبيا باستثناء القيود المبررة بالإعلان الدستوري المؤقت والاتفاقيات الدولية كالقيام بأي عمل يخل بالنظام العام والآداب ، بالإضافة إلى المبررات التي وضعتها مفوضية المجتمع المدني والمتمثلة في ممارسة أي نشاط أو عمل غير مأذون لها بممارسته، أو يخالف الأغراض التي مُنح الإذن لأجلها، أو ممارسة أي عمل أو نشاط بعد انتهاء مدة الإذن الممنوح لها، أو ممارسة أي أنشطة ذات علاقة بالأمور السياسية أو العسكرية أو الأمنية مع مراعاة التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بطبيعة نشاطها. تشير بيانات المفوضية إلى أن حجم تمويلات المنظمات الأجنبية غير الحكومية التي تمّ التّصريح بها، قد وصل حجمها خلال الأعوام الماضية، إلى قرابة (97.384 مليون دولار أمريكي)، وقرابة (41.894 مليون يورو)، و(600 ألف جنيه استرليني)، وقرابة (13 مليون دينار ليبي)، مع التأكيد على أن القيمة المرصودة ليست بالضروري تم صرفها بالفعل كونها مرتبطة بالنشاط والفترة التي ستعمل بها المنظّمات بليبيا، أما ما يخص المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة فقد أشار الموقع الإلكتروني الخاص بخدمة التتبع المالي (fts) والتابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن إجمالي الدعم الإنساني المقدم للدولة الليبية خلال المدة (2015-2019) وصل إلى ( 530,703,241.00 مليون دولار أمريكي) شاركت في تقديمه عدة مصادر وبنسب مختلفة، حيث كانت مفوضية الاتحاد الأوربي الأكثر دعمٍا بـ 34% من أجمالي الدعم الإنساني المقدم لليبيا، تلته حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بـ 23.3%، والحكومة الإيطالية والألمانية بـ 10.4% و 8.1% على التوالي. أما عن مسارات ومآلات وأوجه صرف تلك التّمويلات خلال المدة (2015-2011) فقد استأثر مجال تطوير ورفع قدرات منظمات المجتمع المدني والتنمية بالحصة الأكبر بـ 32% من إجمالي الدعم المرصود للمنظمات الأجنبية غير الحكومية، يليه مجال الإغاثة الإنسانية بـ 14%، ومن ثمّ مجال نزع الألغام بنسبة وصلت إلى ما يزيد قليلاً عن 12%، أما ما يخص التمويل المرصود للمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، فقد اختلفت القطاعات المستفيدة بحسب كل عام من الأعوام الماضية، فمثلا خلال عامي 2015 و 2016، كان القطاع الصحي ومجال الاستجابة لاحتياجات اللاجئين والمهاجرين الأكثر دعمًا بـ 25% لكل منهما، يليه مجال الأمن الغذائي بـ 21%، وخلال عام 2017 كان الدعم مركز على قطاعات متعددة بنسبة 42.44% من الدعم المقدم، يليه الخدمات المعنية بالمأوى والمواد غير الغذائية بــ 13.26%، وكان القطاع الصحي الأكثر دعمًا خلال عام 2018 بـ 37.68%، وقطاع الحماية الأكثر استفادة خلال عام 2019 بـ 55.24%، من اجمالي الدعم المقدم من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهذا الدعم جُله قُدم من خلال الشراكة مع منظمات المجتمع المدني الليبية. عادةً ما يرتبط توافد المنظمات الدولية على دولة ما، بوجود إشكاليات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو إنسانية أو أمنية، فكيف بدولة تواجه صعوبات على جميع الأصعدة كليبيا اليوم، لذلك يتعين علينا ألا نغفل أهمية المنظمات الأجنبية والدولية في مد يد العون والمساندة للدولة الليبية من مطلع عام 2011، ومساهمتها في تعزيز دور منظمات المجتمع المدني الليبية ومساندتها الفاعلة للجهات التشريعية والتنفيذية في العديد من المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها، كما يتعين علينا أيضًا سن التشريعات المنظمة لعملها والمعززة لتواجدها دون الإخلال بالضوابط المتعارف عليها دوليًا والمتسقة مع تشريعاتنا المحلية.
النشرة البريدية
التواصل
  •   0922118682
  •    info@impact.org.ly
  •    بنغازي -  ليبيا     

جميع الحقوق محفوظة لمنصة أثر ©2024 

بدعم من

جميع الحقوق محفوظة لمنصة أثر ©2024 

النشرة البريدية
التواصل
  •    0922118682   
  •    info@impact.org.ly
  •    بنغازي -  ليبيا     

جميع الحقوق محفوظة لمنصة أثر ©2024