الأمن الاجتماعي (أ. نهلة الورفلي)

تمهيد . الأمن عموماً – والاجتماعي منه خصوصاً- هو حجر الزاوية الذي يرتكز عليه التقدم في سبيل تحقيق أهداف المجتمع الجماعية المشتركة، وهو مطلب أساسي ملح يتطلع إليه الفرد منذ بدء الخليقة، وفي أي مرحلة من مراحل حياته، ويتطلب من الدول والحكومات والأنظمة، العديد من الجهود المميزة لتحقيقه سواء على مستوى الأسرة أو القرية أو المدينة أو الدولة، أو المستوى الدولي؛ لأنه ركيزة أساسية لاستقرار الحياة البشرية. هذا و يعد الأمن المجتمعي حاجة أساسية للمجتمع الإنساني يتوقف عليه تطوره و ازدهاره ، فمن خلاله يقاس مدى تطور المجتمع ، فهو الضامن لسلامة الأفراد و المجتمع من مختلف الأخطار الداخلية و الخارجية ، و يشكل الأمن حافز للإبداع و التطوير و التطور . بداية نحن في حاجة لمعرفة مفهوم الأمن المجتمعي ، و ماهيته ، ومن الملزم بتحقيقه ، وماهي التحديات التي تحول دون إمكانية تحقيقه ، و في حال تحقق الأمن المجتمعي كيف يمكن المحافظة عليه و على من تقع المسؤولية ؟ وبمعنى آخر كيف نحقق الأمن؟ ما هي حزمة الوسائل والإجراءات المتبعة للوصول للأمن؟ أولا ً: مفهوم الأمان المجتمعي . تعريف الأمن لغة الأمن من آمن يأمن أمناً؛ فهو آمن، وآمن أمناً وأماناً، اطمأن ولم يخف، فهو آمن وأمن وأمين، والأمن يعني الاستقرار والاطمئنان. الأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والمأمن الموضع الأمن. تعريف الأمن اصطلاحاً: فهو أمنٌ عامٌ مطلق اجتماعي يحقق طمأنينة النفوس.. وتنتشر به الهمم وتنمو به الملكات والطاقات.. لأن الخوف– وهو نقيض الأمن يقبض الناس عن مصالحهم، ويحجزهم عن تصرفهم. أما الأمان المجتمعي كلفظ مركب ، وهو ما يعنينا في مقامنا هذا مصطلح يعنى به أن يعيش الفرد حياة اجتماعية امنه مطمئناً عن نفسه و عن رزقه و مكانه الذي يعيش فيه . كما أنه محصلة جميع الاجراءات اللازمة للمحافظة على أمن المجتمع ضد كل ما يعيق تقدمه و تطوره و المحافظة على مكتسباته . كما أنه مجموع الاجراءات و الخطط التي تتخذها الدولة لتأمين المجتمع ، و تحقيق الحياة الكريمة لمختلف فئاته . إذا فالأمن المجتمعي يرتبط بالاستقرار و عدم الخوف ، فهو منظومة متكاملة من أمن سياسي و اقتصادي اجتماعي ، و ينتهي بالأمن القومي . و يعرف الأمن بأنه:” الإجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقاتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية . وفي تعريف آخر: ” مجموعة من الإجراءات والسياسات التي تتخذها دولة ما لحماية شعبها وكيانها وإنجازاتها “. وهنا ينبغي التنبيه على وجوب ملائمة الوسائل والإجراءات والسياسات المتبعة للواقع الذي سوف تنفذ فيه، وتقدير الإمكانات المتاحة التي سيتم التنفيذ في حدودها، وهاتان مسألتان تحتاجان للخبرة والعلم معاً، فضلاً عن مشاورة القائمين على التنفيذ، فملائمة الوسائل وتقدير الإمكانات مرتبطتان ارتباط السبب بالنتيجة ذلك أن تنفيذ الوسائل يعتمد بالدرجة الأولى على الإمكانات المتاحة وعلى قدر هذه الإمكانات يأتي التنفيذ محققاً لأهدافه. هذا و يقاس الأمن المجتمعي بمجموعة من المؤشرات ، لعلى من أهم المؤشرات لقياس مدى توافر الأمن ، هو تراجع مستوى الجريمة أو ارتفاع معدلها ، و مدى قدرة الدولة على بسط سيادتها ، وفرض سيادة القانون ، فحين تشبع كافة حاجيات الفرد الاجتماعية و التعليمية و الاقتصادية و السياسية والترفيهية حتى ، عندها يشعر بالاستقرار و الأمان و يكون لدية قدرة على الابداع و الابتكار و نكون أمام مجتمع سليم . و لا يخفى على أحد بأن هناك ارتباط قوي بين توفر الأمن المجتمعي ، و قدرة الأفراد على ممارسة نشاطاتهم اليومية و الاستمتاع بحرياتهم ، ويظهر لنا ذلك جلياً بالنظر إلى واقع حالنا في مجتمعنا الليبي ، حيث نجد أن مجتمعنا قد مرَ بفترة عصيبة كاد أن يفقد فيها الأمان المجتمعي نتيجة ما شهده من ثورات ، وما عصف به من نزاعات ، و ما شهده العالم من انتشار للأوبئة والتي كان لنا نصيبٌ منها حيث تسببت هي الأخرى في زعزعة الأمان المجتمعي ، وذلك نتيجة لفقد الأمان الاقتصادي الذي يعتبر من أهم ركائز الأمان المجتمعي والذي بفقده تهتز ركائز الأمان المجتمعي ، فلا يخفى على أحد أن خلال الحروب و جائحة كورونا فقد العديد من الأشخاص مصدر رزقهم و ما لهذا الفقد من أثار فقد ترتب على هذا الفقد عدة نتائج منها ، البطالة ، التفكك الأسري و العنف الأسري ، و اللجوء إلى الجريمة ( السرقة، السطو المسلح ) و الانحراف ، و غيره من سلوكيات سلبية زعزعت أمن المجتمع و استقراره . فقد استغل البعض غياب الدولة و نشوب الحروب ، و انتشار الفوضى لتحقيق اغراضه الاجرامية ، و ارتفعت معدلات الجريمة ، و انتشر السلاح و تفشت اوكار الفساد و اماكن بيع المخدرات و الخمور و الدعارة ، الأمر الذي ترتب عليه هشاشة المجتمع و تفككه نتيجة تفشي الظواهر السلبية و غياب سيادة القانون ، فللأمان المجتمعي مقومات بغيابها يغيب و لعلا من أهم مقوماته الاتي : 1-وجود أجهزة أمنية قادرة على فرض الأمن و ضبط المجرمين و الحد من الإجرام . 2-استقلال القضاء و قدرته على سرعة الفصل في القضايا المنظورة و استقلاله . 3-وجود منظومة اجتماعية تحقق تكافؤ لفرص . 4-التنشئة الاجتماعية السليمة والتي تتم من خلال منظومة متكاملة تبدأ بالأسرة ، مروراَ بالمؤسسة التعليمية و المؤسسات الاجتماعية ، و النوادي التي تعمل على إصلاح الفرد و تأهيله . 5-قيام مؤسسات الإصلاح و التأهيل بدورها على أكمل وجه لمنع العودة للإجرام . 6-إيجاد سبل تطوير التعليم التقني و الفني للحد من البطالة و الانحراف و إكساب الشباب حرف تؤهلهم للدخول لسوق العمل . 7-قيام دور العبادة بواجبها في زرع الوازع الديني في نفوس المواطنين . 8-قيام الإعلام المرئي و المسموع بدوره المنوط به في نشر الثقافة المجتمعية السليمة . أبعاد الأمان المجتمعي ومثل ما للأمان المجتمعي من مقومات و درجات ونعني بها أمن الفرد و المجوعة و المجتمع و أمن الدولة ، هناك أبعاد ، فلا يمكن النظر إليه بمعزل عنها ، منها: الأمان الاقتصادي : و الذي يتحقق بتوفير سبل العيش الكريمة ، وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع ، و فتح المجال للقطاع الخاص و تشجيع المشروعات الصغرى ، وسن القوانين التي من شأنها تشجيع الاستثمار ، و تسهيل الحصول على القروض لأصحاب المشاريع و السعي لإيجاد بيئة أمنه اقتصادياً و أمنياً . لاحظنا في الفترة الأخيرة اتخاذ الدولة لإجراءات حاسمة ترتب عليها فقد بعض الأفراد لمصدر رزقهم ، إلا أن الفرد لم يشعر بأنه فقد أمانه الاجتماعي و لذلك لسيادة الشعور بالعدل و المساواة فالجميع كان تحت سيادة القانون ، مما يعني أن الأمان قد يتحقق لمجرد الشعور بالمساواة . الأمان السياسي : والذي يتحقق بحفظ الدولة لسيادتها و حدودها ، و حفظ حق أفرادها في التعبير و الترشيح و الترشح ، و حفظ دينهم و كرامتهم و هويتهم و حفظ حقوق الأقليات ، و الفئات المهمشة و الضعيفة. من خلال هذا السرد يتضح لنا أن الأمان المجتمعي ، ليس عبارة عن مجموعة من الأحاسيس والمشاعر تتكون لدى الأفراد بأن مصالحهم مصونة ومحمية، إذ هو ليس مجرد إحساس بالطمأنينة يشعر به الفرد، سواء بسبب غياب الأخطار التي تهدد وجوده، أو نتيجة لامتلاكه الوسائل الكفيلة بمواجهة تلك الأخطار حال ظهورها , فهذا مفهوماً ضيقاً ، لا يعكس المعنى الحقيقي للأمن، فشعور الإنسان بالأمن التام لا يحصل بتحرره فقط من المخاطر الحسية، بل لا بد من تحرره أيضاً من مشاعر الخوف والقلق والتوتر التي تنشأ لديه لأسباب أخرى، من تلك الأسباب تدني ظروفه الاجتماعية والمعيشية، وتقييد فعالياته وطموحاته بقيود غير مشروعة “، فالأمن هو شعور الإنسان بالاطمئنان لانعدام التهديدات الحسية على شخصه وحقوقه ولتحرره من القيود التي تحول دون استيفائه لاحتياجاته الروحية والمعنوية، مع شعوره بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية . كما أنه وَصْفِه هو حالةٌ، أو وضعٌ قائمٌ يسود الدولة ويحفظها من أي تهديد يعرض مصالحها للخطر ، إذا هو حالة من الاستقرار التي يجب أن تشمل المنطقة بعيداً عن أي تهديد سواء من الداخل أو الخارج ” . فهو الوضع الذي تكون فيه الدولة آمنة، عندما لا تضطر للتضحية بمصالحها المشروعة لكي تتجنب الحرب؛ وتكون قادرة على حماية تلك المصالح، وأن أمن الدولة يجب أن يكون مساوياً للقوة العسكرية والأمن العسكري إضافة إلى إمكانية مقاومة الهجوم المسلح والتغلب عليه” ، ترتبط وسائل تحقيق الأمن بالمكنة التي تستطيع الدولة من خلال مقدراتها المحافظة على كينونتها حالاً ومستقبلا. نخلص إلى أهم أسس الأمان المجتمعي و التي تساعد على نشأته وهي كالآتي: 1- سيادة القانون : فعندما يسود القانون تشيع الطمأنينة في النفس، ويشعر كل فرد في المجتمع بأنه في أمان من أي تجاوزات وأخطار تهدد حياته أو تتعدى على ماله ، ويمكن رؤية أثر ذلك في المجتمعات التي يسود القانون فيها، فهي أكثر أماناً واستقراراً . 2-التكافل الاجتماعي : هو أن يشعر الفرد بالحب والتعاطف تجاه الآخرين، ومن شأن ذلك أن يحقق الأمن والطمأنينة بين أفراد المجتمع، على عكس المجتمع المتفكك الذي يخلو من مظاهر التكافل، ويتسم بغياب الأمان. 3- التعايش : هو إحساس كل عضو في المجتمع أنه لا يعيش لوحده ، بل يعيش مع الجميع على أساس قيم إنسانية تدفع بأفراد المجتمع إلى الاندماج في وحدة واحدة. 4-التسامح ونبذ العنف: فالمجتمع الذي يسود فيه طابع التسامح يرفض العنف، ويمهد لترسيخ الأمن والحفاظ عليه. 5-التعاون الاقتصادي : اقتصاد أي بلد هو معيار لازدهاره وتقدمه واستقراره، وتحقيق تعاون اقتصادي بين أفراد المجتمع يرافقه استقرار أمني. 6-المشاركة : النظام السياسي الذي يدعم مشاركة أكبر شريحة من أبناء الوطن، له دور مباشر في ترسيخ وتنمية الأمن الاجتماعي، فالنظام الذي يقوم على اختيار الأكثرية من الشعب، يستطيع رؤية مصالحهم فيلبّي رغباتهم ومتطلبات سعادتهم. 7-الشعور بالمسؤولية: فالإنسان الذي يتمتع بحس المسؤولية تجاه أسرته وأرضه، أو حتى رؤيته لنفسه مسؤولا عن الحيوان والنبات والجماد، يزيد من إدراكه للأخطار، وإذا ما شاعت هذه الصفة في المجتمع، فإنها تزيد من أمنه واستقراره. 8-المواطنة : الانتماء للوطن هو ركن أساسي من الحياة الاجتماعية، وينمي هذا الانتماء شعور الفرد بأن الوطن هو بيته وداره، فيسعى لحفظ سلامته وأمنه.
النشرة البريدية
التواصل
  •   0922118682
  •    info@impact.org.ly
  •    بنغازي -  ليبيا     

جميع الحقوق محفوظة لمنصة أثر ©2024 

بدعم من

جميع الحقوق محفوظة لمنصة أثر ©2024 

النشرة البريدية
التواصل
  •    0922118682   
  •    info@impact.org.ly
  •    بنغازي -  ليبيا     

جميع الحقوق محفوظة لمنصة أثر ©2024